شهدت السنوات الماضية نمواً في تطبيقات القراءة الإلكترونية العربية، والتي تمنح القراء تجربة مختلفة في المطالعة والتسوق عبر الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.
ويمكن للمستخدمين شراء كتبهم المفضلة، أو الاشتراك في خدمات شهرية تمكنهم من الوصول إلى العديد من الأعمال، مثلما كانت تفعل المكتبات العامة في الماضي، ولكن بشكل افتراضي.
ويعزو بعض المسؤولين عن تطبيقات القراءة الإلكترونية شعبيتها إلى الأزمات المتتالية التي واجهتها صناعة النشر التقليدية، ولا يرون أنها منافسة للكتب الورقية، وإنما وسيلة تكميلية للمحتوى المطبوع، يمكن الوصول إليها بمقابل رمزي، وتقدم تجربة متميزة في بعض الأحيان.
وتتضمن بعض المزايا التي تقدمها تطبيقات القراءة الإلكترونية الجديدة، تكنولوجيا الصوتيات التفاعلية، والتي تتيح للمستخدمين الاستماع إلى الكتب بدلاً من قراءتها، وبعض التطبيقات توفر أيضاً ترجمة فورية وشروحات للمفردات غير المفهومة، وإضافة إلى ذلك، تقدم بعض التطبيقات المصممة للأطفال قصصاً تفاعلية وألعاباً تعليمية.
كما تتيح بعض التطبيقات للمستخدمين إنشاء مجموعات للمناقشة والتحدث حول الكتب والمواضيع المتعلقة بها مع الآخرين.
مواجهة القرصنة
من بين تطبيقات القراءة الإلكترونية المنتشرة حالياً، تطبيق “أبجد”، والذي يتيح للمستخدمين الوصول إلى آلاف الكتب العربية مقابل اشتراك شهري بقيمة 6 دولارات.
وتم تأسيس التطبيق عام 2012 كمنصة لتقييم الكتب العربية، ثم تطور إلى منصة لبيع الكتب الورقية.
لكن الطلب المتزايد على الكتب الإلكترونية دفع الفريق لتوسيع نطاق خدماته، حيث يتيح للمستخدمين الوصول إلى الكتب بسهولة من دون قيود محددة، بما في ذلك الوصول إلى كتب حديثة قبل توزيعها وبأسعار معقولة.
وقالت إيمان حيلوز، المديرة التنفيذية لـ”أبجد”، في تصريح لـ”الشرق”، إن “الكتب الورقية كانت سهلة الوصول إليها من خلال المكتبات، بينما يمكن للكتاب الإلكتروني الوصول إلى ملايين الناس في جميع أنحاء العالم في لحظات”.
وأضافت أن “مشروعية تداول الكتب الإلكترونية عبر تطبيق أبجد كانت ميزة سوقية، اعتمد عليها الفريق في البداية لتعريف الناس بخدماتهم وتثقيفهم حولها، بالإضافة إلى تهيئتهم لفكرة الاشتراك الشهري، وتذليل عقبات الدفع الإلكتروني الشائعة في المنطقة العربية”.
وتحتوي مكتبة أبجد في الوقت الحالي على أكثر من 20 ألف كتاب إلكتروني، بالتعاون مع حوالي 120 ناشراً عربياً، ويمكن الوصول إليها من قبل أكثر من مليون ونصف المليون مستخدم في جميع أنحاء العالم.
تستخدم أبجد نمط تسعير مشابه لتطبيقات المشاهدة والفيديو عبر الطلب، وهذا النمط يشبه نظام الاشتراك في مكتبة عامة، حيث يمكن للمستخدم استعارة الكتب والقراءة ما دام الاشتراك نشطاً. ويتيح هذا النمط للقارئ حرية الاختيار بين الكتب ويبقي على شهيته للقراءة.
واعتبرت حيلوز أن الكتاب الإلكتروني وسيلة تكميلية للكتاب الورقي لنشر المحتوى العربي بقيمة رمزية بسيطة.
الأزمات والمحتوى الرقمي
يوفر تطبيق “رفوف” للمستخدمين تجربة القراءة الإلكترونية والاستماع للكتب الصوتية في نفس الوقت، بعد عدة سنوات من التطوير بدأت بين عامي 2011 و 2012، عندما كان الاهتمام بالكتاب الإلكتروني في المنطقة العربية في مراحله الأولى.
وقال علي عبد المنعم، مدير الاستراتيجيات التنفيذي لدى “رفوف”، لـ”الشرق”، إن التطورات التكنولوجية التي حدثت خلال العشر سنوات الماضية، زادت من الطلب على المنتجات الرقمية.
ويرجع عبد المنعم زيادة الاهتمام بالمحتوى الرقمي المقروء والصوتي والمرئي إلى عوامل مثل أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى مشكلات سلاسل الإمدادات التي أثّرت على أسعار وإنتاج الورق عالمياً. وأدت تلك العوامل إلى انتعاش الطلب على المحتوى الإلكتروني خلال الفترة الأخيرة.
يشير عبد المنعم إلى أن استخدام التقنية في نشر المحتوى الرقمي، يمكن أن يتيح للناشرين فرصاً لتحديد ما يريدون تقديمه لجمهورهم، وكيفية تقديمه بأفضل شكل ممكن.
فمثلا، الكتاب الإلكتروني يمكن أن يحتوي على مزايا تفاعلية، مثل الروابط والصور المتحركة، في حين يمكن للكتاب الصوتي أن يستخدم الأداء الصوتي والمؤثرات الصوتية لجعل التجربة أكثر حيوية.
وهذا يعني، وفق عبد المنعم، أن المحتوى الرقمي يمكن أن يلبي احتياجات جمهور واسع من المهتمين بالمعرفة والترفيه في العالم الرقمي.
يعمل “رفوف” كمزود خدمات إلكترونية للنشر والمحتوى العربي، إذ يقدم خدمات تحويل المحتوى الورقي إلى صيغ إلكترونية وصوتية، وكذلك خدمات نشر المؤلفات القصيرة.
ويعتبر عبد المنعم، المؤسسة شريكاً وجزءاً من منظومة النشر، إذ تسعى لتقديم المحتوى العربي بشكل يتوافق مع التطورات التكنولوجية المستجدة حول العالم، ويمكن اعتبارها أيضاً Electronic service provider للناشرين، بهدف مواجهة تحديات النشر في الوطن العربي، وخصوصاً التحول الرقمي.
ويشير عبد المنعم إلى أن العديد من الدول العربية لا تعترف بالنشر التقليدي كصناعة مستقلة، مما يؤثر بشكل سلبي على حركة النشر.
الكتاب المسموع
بدورها، تعتبر ياسمين جريصاتي، مديرة النشر في منصة “ستوريتل” للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن الكتاب المسموع يحظى حالياً بشعبية كبيرة في العالم.
وشهدت منصة “ستوريتل” للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، العديد من التطورات خلال الخمس سنوات الماضية، ومن بين أبرزها استحواذها على تطبيق “كتاب صوتي”، الذي كان متخصصاً في الكتب العربية.
وأفادت ياسمين جريصاتي في حديثها لـ”الشرق”، بأن عملية الاستحواذ “زادت من حجم وتنوع مكتبة الكتب الصوتية المتاحة للمستخدمين في كلا التطبيقين”. كما اعتبرت أن سوق الكتاب المسموع “شهد توسعاً ملحوظاً خلال الأعوام الخمسة الماضية، وانتقلت هذه التجربة من شمال أوروبا والدول الإسكندنافية إلى الولايات المتحدة وكندا، وصولاً إلى المنطقة العربية”.
حدود المحتوى الرقمي
وتعتمد منصة “ستوريتل”، ومقرها الرئيسي في السويد، على استراتيجية لتنويع المحتوى وإنتاجه، إذ يمكن للتطبيق أن يقدم تجربة شاملة للمستخدمين، بالإضافة إلى إتاحة المزيد من الفرص للمحتوى الأصلي والحصري.
وقالت جريصاتي إن “ستوريتل تقدم أنواع مختلفة من المحتوى منها محتوى أصلي خاص، كالمسلسلات والمدونات الصوتية، ومنها توزيع محتوى صوتي لآخرين، وذلك بجانب الكتاب المسموع”.
وبدأت “ستوريتل” في تقديم هذا النوع من المحتوى منذ حوالي عامين، استجابة لاحتياجات المستخدمين المتنوعة.
وتعتمد خدمة “ستوريتل” على نظام اشتراك شهري لتحديد تكلفة خدماتها، ولكن جريصاتي ترى أن المستخدم العربي سيحتاج بعض الوقت لفهم نموذج الاشتراك، بدلاً من الدفع مقابل كل كتاب بشكل منفرد.
ومقارنةً بخدمات تطبيق “أوديبل” للكتب المسموعة على المستوى العالمي، فإن وسيلة التسعير هي الفارق الجوهري بين التطبيقين، إذ يتيح “أوديبل” للمستخدمين شراء نسخة صوتية من الكتاب، بينما يوفر “ستوريتل” حق الوصول إلى مكتبته، واستخدام المحتوى بدون امتلاكه.
فرص وصعوبات
وتدفع الأزمات الناشرين لتعزيز اهتمامهم بالمحتوى الرقمي، الذي يتميز بسهولة الإنتاج والتوزيع وتكلفة أقل، ومع ذلك، تؤكد جريصاتي أن تراجع الكتاب الورقي وضعف وسائل الترويج له، تجعل مهمتها كناشرة للكتب المسموعة أكثر صعوبة.
وأشارت إلى أن مستخدمي تطبيقات الكتب المسموعة هم في الأساس قراء، وبالتالي، فإن ضعف مجال النشر التقليدي ينعكس سلباً عليهم، ومع ذلك، يمكن أن يساعد التعاون بين الناشرين في التغلب على صعوبات سوق النشر بشكل عام.
ومن خلال فهم تفضيلات المستمعين واحتياجاتهم، يمكن للناشرين تحسين جودة الكتب المسموعة وتسويقها بشكل أفضل. وترى جريصاتي أن المستمعين أصبحوا أكثر وعياً بتفرد تجربة الاستماع والتحديات التي تواجه القراءة على الورق، وأنه لديهم تفضيلات محددة بشأن ظروف القراءة وصوت الراوي.
وأكدت جريصاتي أن “ستوريتل” تعمل على تحسين جودة الكتب المسموعة، والوصول إلى مستوى من الجودة والخبرة منذ انطلاقها في عام 2017.
وأكدت إلى أن: الكتاب المسموع انتقل من مربع غير المألوف إلى وسيلة يستخدمها بعض القراء للاستمتاع بالقراءة في ظل نمط الحياة المتسارع”. وتعد شركة “ستوريتل” بتقديم المزيد في هذا القطاع في المستقبل.