يتعرض رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لضغوط من داخل حزب المحافظين المنقسم في شأن بروتوكول إيرلندا الشمالية، فمن جهة يحثه أنصار بريكست على تحدي الاتحاد الأوروبي ومن جهة أخرى يطالبه المعتدلون بتوقيع اتفاق تسوية.
في الواقع، تقترب لندن وبروكسل من إنهاء الخلاف الطويل الأمد في شأن البروتوكول، وتشير التقارير إلى أنه يمكن الإعلان عن اتفاق في شأن تسهيل عمليات التفتيش وتقليص دور القضاة الأوروبيين في موعد قد لا يتجاوز الأسبوع المقبل.
لكن، رئيس الوزراء لم يوقع بعد على اتفاق نهائي، وهو يواجه معركة شاقة للفوز بتأييد الحزب الوحدوي الديمقراطي (DUP) في إيرلندا الشمالية وكذلك متشددي حزبه في مجموعة الأبحاث الأوروبية (ERG)، مجموعة دعم بحثية وتجمع لأعضاء حزب المحافظين المتشككين في الاتحاد الأوروبي داخل مجلس العموم. تركز المجموعة على قضية الوحيدة وهي انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
في الحقيقة، يشعر أعضاء البرلمان في “مجموعة الأبحاث الأوروبية” بالغضب من الخطوط العريضة لصفقة محتملة، ويريدون إجراء تصويت حاسم في مجلس العموم في شأن أي تسوية مع بروكسل، بيد أن المعتدلين الذين يدعمون سوناك يبذلون جهدهم من أجل تجنب أي عودة إلى المعارك البرلمانية المثيرة للانقسام حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
واستطراداً، يعتقد أن عقد اتفاق تقني لتخفيف عمليات التفتيش الجمركية والتحقق من سلامة الأغذية وصحة الحيوانات قد أصبح وشيكاً، وهو يقوم على مقترحات بريطانية في شأن ممر “أخضر” بين بريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية.
وبحسب ما ورد، أقر مفاوضو المملكة المتحدة بأن محكمة العدل الأوروبية (ECJ) ستظل الحكم النهائي في أي نزاع على البروتوكول، على رغم أن دور محاكم إيرلندا الشمالية سيكون أقوى.
وفي ذلك الإطار، قال ديفيد جونز، وهو عضو برلماني بارز في حزب المحافظين، ونائب رئيس “مجموعة الأبحاث الأوروبية”، لـ”اندبندنت”، “إذا كان هذا هو أساس الصفقة، فلن تنجح، نحن بحاجة إلى التخلص من البروتوكول تماماً لأنه يقوض اتفاق الجمعة العظيمة”.
وبما أنه من المتوقع أيضاً أن تلقى التسوية المقدمة معارضة من حلفاء “مجموعة الأبحاث الأوروبية” في الحزب الوحدوي الديمقراطي، أضاف السيد جونز: “أي صفقة ستكون عقيمة ومحرجة تماماً إذا كانت غير مقبولة في أوساط الحزب الوحدوي لأنها لن تتيح استعادة المؤسسات في إيرلندا الشمالية”.
وعلى رغم احتمالية تمرد حزب المحافظين في مجلس العموم، أشار السير كير ستارمر، إلى أن نواب حزب العمال سيبذلون جهدهم لمنح السيد سوناك “غطاء سياسياً” لأي اتفاق نهائي.
وأضاف السيد جونز: “إذا كان من الممكن إجراء تصويت على ذلك في مجلس العموم، فسيعتمد على أصوات حزب العمال، مما سيسبب مشكلة لرئيس الوزراء. وسيكون من الغباء أن تضع الحكومة نفسها في وضع مماثل”.
في منحى مقابل، يرغب عدد كبير من المحافظين في إنهاء الخلاف الطويل الأمد.
سايمون هور، وهو رئيس اللجنة الخاصة المعنية بشؤون إيرلندا الشمالية في مجلس العموم كان قد صرح لـ “اندبندنت”: “أنا متفائل للغاية في شأن التوصل إلى اتفاق. أعتقد أن الأمر يبدو وكأنه عودة البالغين لممارسة السياسة بطريقة عقلانية”.
وأضاف العضو البارز في حزب المحافظين: “يبدو أننا عالقون في نفق المحادثات النهائية منذ أسابيع. يجب أن تنطوي جميع المفاوضات على تسوية. لذا، دعونا ألا نعبث بالأمر، ولنجد حلاً لهذا الموضوع اللعين وننتهي منه”.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان التصويت في البرلمان سيكون ضرورياً.
وفي ذلك السياق أوضح خبراء في موضوع “بريكست” لـ “اندبندنت”، أنه يمكن التوصل إلى اتفاق من دون إعادة صياغة البروتوكول من خلال وثيقة جديدة منفصلة صادرة عن اللجنة المشتركة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي التي ستتفق حول طريقة تفسير الاتفاقية الحالية.
وقال السيد هور، “آمل أيضاً أن تتمكن اللجنة المشتركة من إجراء هذا التعديل من دون أن يضطر البرلمان إلى التعامل معه. وإذا أصبح في عهدة البرلمان، فقد أشار حزب العمل إلى أنه سيدعمه، لذلك لن يكون هناك أي تحد يواجه رئيس الوزراء”.
كذلك عبر نائب آخر من حزب المحافظين، أيد سوناك للوصول إلى القيادة، عن أمله في ألا يتم التصويت على الاتفاقية في مجلس العموم. وقال في هذا السياق: “لسنا بحاجة إلى لعودة إلى الانقسامات الكبيرة في البرلمان في شأن ’ بريكست’، بل نحن بحاجة إلى المضي قدماً”.
ولم ينف مجلس الوزراء التقارير التي تشير إلى أنه من المتوقع التوصل إلى حل قريباً، لكنه أكد أنه لم يتم الاتفاق على أي شيء بعد. وقال متحدث باسم الحكومة: “نحن منخرطون حالياً في محادثات استطلاعية مع الاتحاد الأوروبي من أجل إيجاد حلول لهذه المشكلات”.
لكن “اندبندنت” علمت أنه تم إبلاغ الشخصيات البارزة في الحزب الوحدوي الديمقراطي و”مجموعة الأبحاث الأوروبية” التي اجتمعت مع أعضاء الحكومة لحثهم على عدم التسرع في التوصل إلى اتفاق، بأن الجانبين لم يقتربا من عقد اتفاق بعد.
والجدير بالذكر أن عضوين بارزين سابقين في “مجموعة الأبحاث الأوروبية”، هما كريس هيتون-هاريس وستيف بيكر، يشغلان الآن مناصب وزارية داخل وزارة شؤون إيرلندا الشمالية في الحكومة البريطانية ويعملان من أجل التوصل إلى اتفاق، لكن حلفاءهما القدامى ما زالوا غير سعداء باحتمالية أن تلعب محكمة العدل الأوروبية أي دور في ذلك.
وفي ذلك السياق، قال جونز: “إن محكمة العدل الأوروبية مهمة، لكنها ليست الحل السحري. المشكلة الرئيسة هي أن إيرلندا الشمالية ستظل خاضعة لقواعد الاتحاد الأوروبي في شأن التجارة في السلع والضرائب على أساس ديناميكي من دون أي مشاركة من ممثليها المنتخبين”.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أعرب فيه مؤيدو “بريكست” عن غضبهم من اجتماع “سري” متعدد الأطراف عقد في منتجع ديتشلي بارك في أكسفورد شاير الأسبوع الماضي وتناول كيفية معالجة إخفاقات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وقضايا أخرى في السياسة الخارجية.
وقيل إن وزير التسوية والإسكان والمجتمعات مايكل غوف كان حاضراً إلى جانب وزير خارجية الظل من حزب العمال ديفيد لامي من أجل إجراء مناقشات تحت عنوان: “كيف يمكننا جعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يسير بشكل أفضل مع جيراننا في أوروبا؟”.
وأشار أحد مؤيدي “بريكست” إلى أن اجتماع “المتحمسين المعجبين بأوروبا بمعظمهم” معاً هو دلالة سيئة، لكن مصادر مطلعة على الاجتماع قللت من أهميته. وقال أحد المطلعين على الحدث إنه كان “مؤتمراً مملاً للغاية” حول الشؤون الخارجية، وليس فقط حول سبل تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، صرح مجلس الوزراء، يوم الإثنين، بأن السيد سوناك لم يكن على علم مسبقاً بالاجتماع الذي ضم مختلف الأحزاب في المنتجع، فيما أوضح مصدر من حزب العمال قائلاً، “كان هذا مؤتمراً عادياً في ديتشلي بارك. ودائماً ما تضم الاجتماعات التي تقام هناك أشخاصاً من مختلف الأحزاب”.
المصدر: إندبندنت عربية