العذراوات المحلفات من هن؟

الديسك المركزي
9 دقيقة قراءة
9 دقيقة قراءة

“العذارى المحلفات”، هذا التقليد القديم الذي كان معروفا في ألبانيا وعموم البلقان ويسمح للنساء بالعيش كالرجال والتمتع بحرياتهم، شرط أن يتعهدن بالتخلي عن كامل المظاهر الأنثوية والابتعاد التام عن الحياة الجنسية، أصبح اليوم في طريقه السريع إلى الاندثار.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=4]

وتقول جيستينا غريشاي، وهي إحدى العذروات المحلفات “كانت ألبانيا عالما للرجال، والطريقة الوحيدة للصمود والنجاة فيه هي أن تصبحي أحد هؤلاء الرجال”.

كان عمر هذه المرأة التي تعيش في منطقة جبلية شمالي ألبانيا، 23 عاما عندما اتخذت القرار الذي غير حياتها وقلبها رأسا على عقب.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=3]

فقد أقسمت نذر العزوبية والعفاف، وتعهدت بالتخلي عن أنوثتها وعيش بقية حياتها كرجل.

تعيش عائلة جيستينا في منطقة مالسي إي ماده في مقاطعة لبوشي منذ أكثر من قرن.

وتقع هذه المنطقة في واد عميق بين الجبال الصخرية، وهي إحدى المناطق القليلة التي لا يزال فيها تقليد العذرية المحلفة والذي يطلق عليه محليا اسم “بورنيشا” موجودا، وهو ممارسة عمرها عدة قرون، وتقسم فيها نساء اليمين أمام مجلس من كبار السن في القرية، ويعشن طوال حياتهن كرجال.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=5]

وتُعرف هؤلاء النساء باسم “بورنيشا” أو العذارى المحلفات.

وتقول جيستينا، التي أصبح عمرها اليوم 57 عاما، “هناك الكثير من النساء غير المتزوجات في العالم، لكنهن لسن عذارى محلفات. البورنيشا تكرس نفسها لعائلتها فقط، وللعمل، وتتعهد بأن تعيش محافطة على عفتها”.

بالنسبة للعديد من النساء اللواتي عشن في أزمنة سابقة في البلقان، كان التخلي عن هوياتهن الجنسية والاجتماعية وفرصهن في الإنجاب، وسيلة للتمتع بالحريات التي لا يمكن أن يعيشها سوى الرجال.

فالعذراء المحلفة يسمح لها بارتداء ملابس الرجال، والتصرف كزعيمة للعائلة، والتواجد بحرية في كافة المواقف الاجتماعية، وممارسة عمل محصور تقليديا على الرجال.

كانت جيستينا، أو دوني، كما يعرفها المقربون منها، شابة رياضية نشيطة، ومصممة على أن تعيش حياة مستقلة، ولم تتخيل نفسها أبدا ترتدي الفساتين وتعيش حياة تقليدية من زواج وأطفال وأعمال منزلية.

وبعد وفاة والدها، قررت جيستينا أن تؤدي القسم، لكي تستطيع قيادة أسرتها وممارسة عمل كفيل بإعالتها.

وتقول “كنا نعيش في فقر مدقع … توفي والدي، وترك لأمي ستة أطفال، لذا ومن أجل تسهيل الأمر عليها، قررت أن أصبح بورنيشا وأن أعمل بجد”.

تعيش جيستينا في قرية نائية حيث إشارة الاستقبال الخاصة بالهواتف المحمولة ضعيفة في أحسن أحوالها، والشتاء القاسي يعني أن الطريق إلى ليبوشي غالبا ما يكون مقطوعا بسبب تراكم الثلوج كما ينقطع التيار الكهربائي أيضا، وهي تدير نزلا صغيرا وتعمل في الأرض، وترعى حيواناتها.

كما تمارس جيستينا، باعتبارها عذراء محلفة ورئيسة للأسرة، العلاج بالأعشاب، وتحضر الأعشاب الطبية والزيوت العلاجية، وهي مهارة ورثتها عن والدها.

وتقول جيستينا “كان أبي يهتم كثيرا بالأعشاب الطبية، وقد علمني ذلك. وأريد لابنة أخي فاليريانا أن ترث هذه الممارسة، رغم أنها اختارت طريقا مختلفا”.

وتقول فاليريانا غريشاج ابنة أخ جيستينا “لا أحد يرغب بأن يصبح عذراء محلفة اليوم”، وتضيف “الفتيات لا يفكرن مجرد تفكير بأن يصبحن عذارى محلفات. وأنا مثال حقيقي على ذلك.”

و تقول “هناك لحظة أتذكرها دائما، عندما كنت في الصف السادس الابتدائي كانت لدي صديقة في الصف التاسع وخطبت حينها. كان عمرها 14 عاما فقط”.

وتضيف “أخبرتني صديقتي أن زوجها (المستقبلي) لن يسمح لها بمواصلة الدراسة، وأن عليها أن تسمع كلامه وتبقى معه وتطيعه”.

أما فاليريانا، فبدلا من أن تتزوج في سن صغيرة أو تصبح عذراء محلفة، غادرت منزل العائلة عندما كان عمرها 16 عاما، وانتقلت إلى العاصمة الألبانية تيرانا، حيث درست الإخراج المسرحي والتصوير الفوتوغرافي.

وهي تقول “تتمتع الفتيات والنساء في تيرانا بمزايا أكثر، ولديهن قدر أكبر من التحرر. بينما في القرية لا يزال الوضع كارثيا حتى الآن”.

ورغم عدم وجود أرقام دقيقة، تشير التقديرات إلى أن عدد العذراوات المحلفات في شمالي ألبانيا تراجع كثيرا، وربما لا يوجد اليوم أكثر من 12 منهن.

وقد شهدت ألبانيا منذ سقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي في التسعينيات، تغيرات مجتمعية كبيرة أتاحت للنساء المزيد من الحقوق.

وترى فاليريانا أن تلاشي تقليد “بورنيشا” أمر إيجابي. وتقول “ليس علينا نحن الفتيات أن نكافح اليوم لنصبح رجالا، بل علينا أن نناضل من أجل المساواة في الحقوق، ولكن ليس من خلال أن نصبح رجالا”.

وفي عام 2019، قامت الناشطة في مجال حقوق المرأة ريا نيبرافيشتا بالاحتجاج على تقليد العذروات المحلفات خلال فعاليات اليوم العالمي للمرأة في تيرانا.

وخرجت ريا إلى الشارع وهي تحمل لافتة كبيرة كتبت عليها كلمة “بورنيشا” ورسمت فوقها علامة الإلغاء أي “حرف إكس” بخط أحمر عريض، وكتبت تحتها عبارة “نساء قويات”.

وتقول ريا “في اللغة الألبانية، نستخدم مصطلح ‘بورنيشا’ عندما نريد وصف امرأة بأنها قوية”.

وتوضح أن “الكلمة مكونة من جزأين، والجزء الأول ‘بوري’ هو كلمة تعني الرجل … يجب أن لا نشير إلى الرجال لنصف قوة المرأة”.

ووفقا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شهدت مشاركة النساء في صنع القرار السياسي والاقتصادي في ألبانيا تقدما في الفترة الأخيرة بفضل التحسينات التي طرأت على القوانين وإجراءات العمليات الانتخابية، حتى وإن كانت لا تزال محدودة، ورغم أن فجوة الأجور بين الجنسين لم تتم معاجلتها بشكل صحيح.

وفي عام 2017 ، شكلت النساء 23 في المئة من أعضاء البرلمان، و35 في المئة من أعضاء المجالس المحلية.

“وتقول ريا “لا يزال التحيز، والتنميط القائم على الجنس … والعنف القائم على النوع الاجتماعي أمورا منتشرة للأسف على نطاق واسع في ألبانيا”.

وتشير البيانات الواردة من هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن ما يقرب من 60 في المئة من النساء الألبانيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما يتعرضن للعنف المنزلي.

كما تكشف قاعدة بيانات هيئات المعاهدات التابعة للأمم المتحدة أن ثمانية في المئة فقط من النساء يمتلكن الأرض، وأن النساء يجري تهميشهن في قضايا الميراث.

تعود جذور تقليد “بورنيشا” إلى ما يسمى محليا “قانون”، وهو دستور قديم كان سائدا في كوسوفو وشمالي ألبانيا في القرن الخامس عشر، وهو يشكل الأساس الذي نظم عليه المجتمع الألباني. وبموجب هذا القانون الأبوي الذكوري، كانت النساء تعتبر ملكا لأزواجهن.

ولا تزال في ألبانيا العديد من المفاهيم الخاطئة التي تدور حول التقاليد.

كما أن اتخاذ قرار التعهد بالعذرية لا يتعلق نهائيا بالميول الجنسية أو بالهوية الجنسية، وإنما بالوضع الاجتماعي الخاص الذي يمنحه للواتي أقسمن اليمين.

وبموجب أعراف “قانون”، كان الثأر واجبا للحفاظ على الشرف. ويمكن أن يتم بأفعال صغيرة مثل التهديد أو الإهانة، لكنه قد يتصاعد أحيانا إلى القتل، وبعد ذلك يُتوقع من عائلة القتيل الرد بقتل القاتل نفسه، أو رجل آخر من عائلته.

وبالنسبة للعديد من الفتيات بتلك الفترة كان قسم العذرية طريقة لإعفاء عائلاتهن من الثأر في حال رفضن طلب زواج.

تطور التقليد بمرور الوقت، وتحول من قرار قسري إلى اختيار. وتقول أفرديتا “من المهم جدا ملاحظة الفرق بين العذرية المحلفة التقليدية، بالمعنى الإثنوغرافي، وبينها اليوم … اليوم هي قرار شخصي تماما”.

وتقول دراندي، وهي عذراء محلفة تعيش في بلدة جنزين الساحلية، وتشير إلى نفسها بصيغة المذكر (وسنعتمد هذه الصيغة في الحديث عنها) “لم أشعر أبدا بالانتماء إلى النساء، وإنما إلى الرجال دائما. في الحانات، بالتدخين… لطالما شعرت أنني رجل”.

بالنسبة لدراندي، كان تبني هذه الممارسة وسيلة للتمتع بحرية الرجال مثل تدخين السجائر وشرب الكحول، وهي عناصر متأصلة في تقليد “بورنيشا”.

ويشمل ذلك شرب “الراكية”، وهو الاسم الذي يطلق على العرق في ألبانيا، وهو تاريخيا مشروب حصري للرجال. واليوم دراندي لا تشرب العرق فحسب وإنما تصنعها بنفسها.

في تلك الفترة، وفي مواجهة مجتمع يقيد النساء ويتيح أمامهن خيارات محدودة، اعتبرت اللواتي اخترن أن يصبحن عذراوات محلفات أن قرارهن كان السبيل للحصول على القوة والتمكين.

المصدر:” BBC العربية”

شارك هذه المقالة
ترك تقييم